
تستعرض فرانس24 في هذه الورقة أبرز المعلومات المتوفرة لحد الساعة حول مقتل رئيس حركة حماس يحيى السنوار إثر اشتباك مع قوة إسرائيلية في قطاع غزة الأربعاء. وتجيب عن عدة تساؤلات تتعلق خصوصا بظروف مقتله، والسبب وراء خروجه من الأنفاق وأيضا حول مصير جثته. كما تسلط الضوء على قصة الطائرة المسيّرة التي حلقت بالقرب بالقرب منه قبل وفاته متأثرا بجراحه.
قال الجيش الإسرائيلي الخميس إنه قتل يحيى السنوار الذي تم تعيينه في السادس أغسطس/آب على رأس حركة حماس خلفا لإسماعيل هنية، بعد معارك بالأسلحة في غزة، مؤكدا أن اختبارات الحمض النووي أثبتت هويته بشكل لا لبس فيه. فوفق تل أبيب، أكدت سجلات الأسنان وبصمات الأصابع واختبار الحمض النووي (دي. إن. إيه) مقتل السنوار بشكل قاطع.
ويعتبر السنوار (62 عاما) العقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما كان على رأس القائمة السوداء للدولة العبرية ومدرجا ضمن لائحة المطلوبين للولايات المتحدة وفق بيان لوزارة الخارجية الأمريكية. كما كان من بين قادة حماس الذين طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في 20 مايو/أيار إصدار مذكرة توقيف بحقهم إلى جانب نتانياهو وغالانت.
ونعت حركة حماس الجمعة رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، مؤكدة أن ذلك سيزيدها “قوة وصلابة”. وقال عضو المكتب السياسي للحركة خليل الحية في كلمة متلفزة: “ننعى القائد الوطني الكبير الأخ المجاهد الشهيد يحيى السنور”، مضيفا أن قتل السنوار “وكل القادة ورموز الحركة الذين سبقوه… لن يزيد حركتنا ومقاومتنا إلا قوة وصلابة وإصرارا على المضي في دربهم”.
وأثار مقتل العدو اللدود لإسرائيل ردود فعل مرحبة من عدة دول حليفة لتل أبيب، فيما نشر وزير الدفاع يوآف غالانت تغريدة على منصة إكس الخميس مرفقة بصورة لحسن نصر الله ومحمد الضيف وصورة لشخص آخر مجهول. وعلّق قائلا: “لا يمكن لأعدائنا الاختباء. سوف نقوم بملاحقتهم والقضاء عليهم”.
لكن طريقة مقتل السنوار والإعلان عن الواقعة أثارا عدة تساؤلات، حول كيف تم قتله؟ ولماذا لم يكن مختبئا في شبكة أنفاق حماس تحت قطاع غزة؟ وأيضا حول مصير جثمانه وأي تم نقله والاحتفاظ به؟ ومزيد من التساؤلات التي لا تزال تتوالى كلما تم الإعلان عن مزيد من الجزيئات حول هذه الحادثة، من ذلك أيضا الطائرة المسيّرة التي حلقت قرب السنوار وقام بقذفها بعصا فيما كان يحتضر متأثرا بجراحه.
أفاد مسؤولون إسرائيليون بأن القوات التي قتلت السنوار، بعد مطاردة طويلة لأكثر من عام، لم تكن في البداية تعرف بأنها أوقعت فعليا بالعدو الأول للدولة العبرية بعد معركة بالأسلحة الأربعاء.
لكن الجيش الإسرائيلي قال الخميس إن أجهزة الاستخبارات ضيّقت تدريجيا المنطقة التي يمكنه أن ينشط فيها.
وعلى النقيض من القادة العسكريين الآخرين الذين تعقبتهم إسرائيل وقتلتهم، بما في ذلك محمد الضيف القائد العسكري لحماس الذي قالت إسرائيل إنه قُتل بغارة جوية في 13 يوليو/ تموز ولم تؤكد حماس نبأ وفاته، فإن العملية التي قتلت السنوار في النهاية لم تكن ضربة مخططة ومحددة الهدف أو عملية نفذتها القوات الخاصة، على ما يبدو لحد الساعة.
كما قال مسؤولون إن جنود المشاة من وحدة مسؤولة عادة عن تدريب القادة المحتملين للوحدات الإسرائيلية، عثروا عليه أثناء عملية تمشيط لمنطقة في تل السلطان جنوب غزة الأربعاء، حيث كانوا يعتقدون أن قيادات كبيرة من حماس كانت موجودة هناك.
ورصدت القوات ثلاثة مسلحين يتنقلون بين المباني وفتحت النار ما أدى إلى اندلاع اشتباك مسلح تمكن خلاله السنوار من اللجوء إلى مبنى مدمر. وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن قذائف المدفعية وصاروخا أطلقت أيضا على ذلك المبنى.
تعقيبا، قال عبد الله العالي محرر الشؤون الدولية في قناة فرانس24 إن “الذي حدث (مقتل السنوار) هو أن رجلا استثنائيا قُتل قتلا عاديا. لأن السنوار لقي حتفه خلال اشتباك ضد وحدة إسرائيلية من المشاة في عملية روتينية، ولم يكن الجنود يعرفون أنه بين ثلاثة مقاتلين من حركة حماس. في اليوم التالي، اكتشف الجيش الإسرائيلي أن بين القتلى شخصا يشبه يحيى السنوار. العملية لم تكن مقصودة ولا ثمرة لإحدى العمليات اللافتة التي استطاعت إسرائيل من خلالها أن تقتل بها قادة من طينة يحيى السنوار”.
نشرت السلطات الإسرائيلية مقطع فيديو التقطته طائرة مسيّرة صغيرة يظهر يحيى السنوار وهو يحتضر وسط أنقاض مبنى في جنوب غزة، فيما كان يجلس على كرسي مغطى بالغبار مع إصابة بالغة في يده اليمنى.
وبينما كانت المسيّرة تحلق قربه، أظهر الفيديو السنوار وهو يرميها بعصا في محاولة يائسة منه على ما يبدو لإسقاطها.
وقال المتحدث باسم الجيش الأميرال دانيال هاغاري إن القوات كانت تظن في هذه المرحلة أن السنوار كان مجرد أحد مقاتلي حماس، لكنها دخلت ووجدته حاملا سلاحا ومرتديا سترة واقية ومعه 40 ألف شيكل إسرائيلي (10731.63 دولار). وأضاف للصحافيين في إفادة تلفزيونية: “حاول الهرب قبل أن تقضي عليه قواتنا”.
في هذا السياق، قالت ليلى عودة مراسلة فرانس24 في القدس الخميس بعد تداول أنباء عن مقتل السنوار، نقلا عن وسائل إعلام إسرائيلية، إن “مسيّرة إسرائيلية تم إرسالها إلى حي تل السلطان (غرب مدينة رفح بجنوب غزة) حيث المبنى الذي تم قصفه، وكانت هي التي تعرفت على جثة يحيى السنوار، بحسب ما كان يبدو من الصور التي التقطتها المسيّرة، قبل إرسال الجنود إلى ذلك المبنى وكذلك مجموعة من المحققين لتأكيد هويته”.
وأضافت عودة بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية أكدت بأن “السنوار لم يكن في نفق كما كانت المعلومات الإسرائيلية تشير في الفترة الماضية”. وتساءلت: “هل كان خروجه حديثا للتواجد في هذه المنطقة؟ هل جاءت هذه العملية بمحض الصدفة؟ هذه فرضية. وهناك فرضية أخرى تقول إن الجيش الإسرائيلي غير معني بإعطاء الانطباع بأنه قد توصل وفق معلومات استخباراتية إلى كافة قادة الصف الأول من حركة حماس. ربما قد تكون هذه القضية ذات هدف استخباراتي من خلال إعطاء الانطباع بأن الاغتيال جاء صدفة وعشوائيا ولم يكن مخططا له”.
وأظهرت عدة صور تم تداولها بكثافة على منصات التواصل وعدة مواقع على الإنترنت، جنودا إسرائيليين يحيطون بجثة شخص مصاب بجرح كبير في الرأس، ملقاة تحت الأنقاض ومغطاة بالغبار، ويرتدي ساعة كبيرة ويشبه إلى حد كبير يحيى السنوار.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية الخميس أن جثمان السنوار نقل إلى مشرحة في تل أبيب لإجراء “فحوص إضافية” بعد إعلان مقتله في غزة. وقالت الشرطة: “وصل جثمان زعيم حماس يحيى السنوار قبل وقت وجيز إلى المركز الوطني للطب الشرعي لإجراء فحوص إضافية”.
وبحسب موقع Ynet الإسرائيلي، فقد تم العثور على أموال ووثائق هوية مع جثث المسلحين، وتم فحصها أولا بواسطة طائرات مسيرة. وأفاد أيضا بأنه قد تم نقل جثة السنوار إلى “مخزن سري” بعد تشريحها، وبأنه لم يتضح إن كان سيتم استخدامها كورقة ضغط خلال أي مفاوضات مقبلة.
كما قال نفس الموقع إن “تشريح الجثة أظهر إصابة السنوار برصاصة في رأسه، كما عثر على آثار طلقات نارية على جسده، بما في ذلك أغلفة القذائف. وأوضح بأن السنوار قضى متأثرا بجراحه ربما بسبب انهيار المبنى وشظايا القذائف بما فيها تلك التي أطلقتها دبابة ميركافا وصاروخ ماتادور”.
في نفس الشأن، قالت صحيفة إسرائيل هيوم الجمعة إن “خبراء الطب الشرعي بمركز أبو كبير، قد أنهوا فحصهم الدقيق لجثمان زعيم حماس يحيى السنوار.. وفي خطوة تشير إلى اعتبارات استراتيجية، تم نقل الجثة على الفور إلى موقع لم يكشف عنه، ما أثار التكهنات حول دورها المحتمل في المفاوضات المستقبلية”.
كما قالت الصحيفة إن نتائج التشريح تفيد بأن “السبب الرئيسي للوفاة هو إصابته بطلق ناري عن بعد في الرأس، قد تم تنفيذه بدقة تشبه دقة القناص. كما لوحظ أن الجثة مليئة بشظايا الشظايا بعد أن أطلقت دبابة النار على المنزل الذي كان يتحصن فيه”.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن “عشرات العمليات التي نفذها جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) خلال العام السابق، وفي الأسابيع القليلة الماضية في المنطقة التي تمت تصفيته فيها، ضيّقت الحركة العملياتية ليحيى السنوار خلال ملاحقة القوات له وأدت إلى تصفيته”.
يلحظ أن السنوار توقف في الأشهر الأخيرة من حياته عن استخدام الهواتف وغيرها من معدات الاتصال التي كانت ستسمح لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بتعقبه.
مسؤولون إسرائيليون إنهم يعتقدون أنه كان مختبئا في شبكة الأنفاق المترامية التي حفرتها حماس تحت غزة على مدى العقدين الماضيين، ولكن مع اكتشاف المزيد منها، فإن الأنفاق لم تعد ضمانا للهروب من الملاحقة.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي اللفتنانت جنرال هيرتسي هاليفي إن ملاحقة إسرائيل للسنوار على مدار العام الماضي دفعته “إلى التصرف مثل الهارب، ما دفعه إلى تغيير موقعه عدة مرات”.